وصول الرئيس دونالد ترامب إلى أوساكا، أمس الجمعة، لحضور قمة مجموعة العشرين، سيريد العديد من أقرانه مناقشة الأزمات الثنائية معه: حيث يريد رئيس الصين «شي جين بينج» مناقشة الخلاف التجاري، ويتحدث الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» عن شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية، ورئيس وزراء اليابان حول فكرة ترامب الغريبة عن إنهاء اتفاقهما الدفاعي الثنائي. كما سيريدون أيضاً أن يسمعوا منه عن أزمة تؤثر عليهم جميعاً: المواجهة مع إيران.
وقد ازدادت هذه الأزمة حدة منذ اجتماع المجموعة الأخير، حيث تعرضت سفن الشحن المحايدة للهجوم، ومنشآت النفط للتفجير، وتم إسقاط طائرة أميركية من دون طيار، وخضع المرشد الأعلى للعقوبات. وبالرغم من الاحتجاجات من واشنطن وطهران بأن أيا من الجانبين يريد حرباً، سيكون اجتماع أوساكا قلقا بشأن التكلفة البشرية الهائلة والأضرار الاقتصادية الكبيرة لهذا الصراع.
خلال الاجتماع الذي عُقد في بيونس آيرس في شهر ديسمبر، كان ترامب يكافح لتوضيح موقفه بشأن إيران. وكان قد قام مؤخراً بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في عام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، ولا تزال الدول الموقعة الأخرى –الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والصين وروسيا وبريطانيا – تترنح بسبب هذه الخطوة. وفي هذه الأثناء، كانت إيران لا تزال ملتزمة بالصفقة، ما أتاح أملاً في إمكانية إنفاذ الاتفاق من دون الولايات المتحدة.
ولا يسع الدول الموقعة الأخرى، الآن، أن تتوهم في أنها يمكنها الاحتفاظ بخطة العمل الشاملة المشتركة على قيد الحياة من دون الولايات المتحدة: فلا تجرؤ أي شركة في أوروبا أو الصين أو روسيا على تحدي العقوبات الأميركية. والأهم من ذلك، أن سلوك إيران المتهور مؤخراً قد أثار قلق الأوروبيين –وقاموا رسمياً بتحذير طهران من أن خرق التزاماتها المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة سيكون له عواقب وخيمة. وهم غير راضين عن الهجمات على ناقلات النفط، كذلك.
لذا يبدو أن ترامب بعد وصوله إلى أوساكا، يتوقع أن يجد جمهوراً متعاطفاً. وهذا يتيح وقتاً جيداً لشرح ماهية سياسته تجاه إيران.
وفي تقديري، من الأفضل أن يبدأ الرئيس الأميركي بتوضيح هدفه النهائي. فلا يمكن أن يكون الأمر متعلقاً بتغيير النظام، وهو أمر نادراً ما يحققه فرض عقوبات اقتصادية، ولا أحد يريد حرباً. ولا يمكن أن يتعلق ببساطة بالحصول على صفقة نووية أفضل من تلك التي أبرمتها إدارة أوباما –من خلال تمديد الحظر على تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاماً، على سبيل المثال.
إذا كان ترامب يريد تحسين صفقة أوباما، فيجب أن يصر على التوصل إلى اتفاق شامل حقيقي، يمتد إلى أبعد من التهديد النووي الإيراني المحتمل ليشمل برنامجها للصواريخ الباليستية، وترويجها لجماعات إرهابية ووكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وغير ذلك من السلوكيات السيئة. وفي مقابل هذه الصفقة الكبرى، يجب أن يقدم أكثر مما قدمه أوباما –إلغاء جميع العقوبات، واحتمال وجود شروط تجارية مواتية مع الولايات المتحدة وحلفائها.
كما يجب أن يضيف أن امتثال طهران سيحظى بدعم غربي كامل لإبرام اتفاق بين إيران وخصومها في المنطقة، بهدف إنهاء العداء المتبادل، وربما حتى تضمين معاهدات طوعية للحد من الأسلحة. (من باب المصادفة، سيكون اجتماع مجموعة العشرين لعام 2020 في الرياض.)
كان الإيرانيون يستدعون، مراراً وتكراراً، عبارة «المزيد والمزيد» للوعد بتقديم تنازلات في مقابل تخفيف العقوبات غير النووية. لذا يتعين على ترامب أن يعطيهم، ويعطي العالم، صورة واضحة عن رؤيته لهذه العبارة.
للحصول على جلسة استماع متعاطفة، يجب أن يظهر الرئيس الأميركي بعض التعاطف، أيضاً –تجاه الملايين من الإيرانيين الذين يشاركون في تحمل العقوبات التي تستهدف المرشد الأعلى «علي خامنئي»، وكبار قادة الجيش، كدليل على أن هدف ترامب إيذاء النظام. وللتأكيد على ذلك، يجب أن يعلن عن دعم الولايات المتحدة الكامل لوجود قناة سويسرية لتوصيل البضائع الطبية والإنسانية إلى الإيرانيين.
فهل ستوافق إيران على أي من هذا؟ ليس في أي وقت قريب، استناداً إلى رفض خامنئي لأي عروض للوساطة والتفاوض. ولكن مع كل شهر يمر على العقوبات التي تضر الاقتصاد الإيراني، يمكن لموقف خامنئي أن يضعف. ويجب أن يوضح ترامب أنه ليس في عجلة من أمره، وأن الولايات المتحدة لن ترد من جانب واحد أو بشكل غير متناسب لاستفزازات طهران، وإذا تمادت الأخيرة، فيجب أن يخبر مستمعيه أنها تستحق رداً من الجميع.
لا يمكن لترامب أن يأمل في أن يغادر أوساكا وهو حاصل على إجماع على سياسته. ولا يمكنه حتى الحصول على تأييد مطلق من الأوروبيين. ولكنه إذا استطاع توضيح موقفه، سيترك لزملائه في القمة فرصة أقل للخلاف معه –وسيترك النظام الإيراني دون أي أوهام بشأن نواياه.
*كاتب متخصص في شؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»